حقوق مهدرة… عمال العراق من دون سلامة مهنية أو ضمان اجتماعي
تحقيق – منار الزبيدي
تعد النجاة من الوفاة جراء إصابات العمل بداية لمعاناة لا تنتهي في العراق، إذ تضيع حقوق المتضررين بسبب تهرب أرباب العمل من تسجيلهم في الضمان الاجتماعي، كما لا يوفرون لموظفيهم أدوات وإجراءات الأمن والسلامة.
– فقد العشريني العراقي حسين رائد حسين اثنين من أصابع كفه الأيمن كما يعاني حروقاً من الدرجتين الثانية والثالثة في اليدين وقدمه اليسرى، نتيجة إصابته في 19 يوليو/تموز 2023، بصعقة كهربائية أثناء عمله في ورشة لتصليح السيارات بمحلة الجديدة في محافظة الديوانية جنوب العراق، وبعدما نقله صاحب العمل إلى المستشفى دفع تكاليف إسعافه، لكنّه رفض التكفل بقيمة العمليات الجراحية اللازمة من أجل الترقيع الجلدي وبتر للأصابع، وما تلى ذلك من مراجعات طبية.
وما فاقم حالة حسين، الذي أصيب بإعاقة جزئية باتت تعيقه عن إيجاد عمل يعيل به أسرته، أنه لم يحصل على أي تعويض مالي، لأن صاحب العمل لم يسجله مع زملائه لدى دائرة التقاعد والضمان الاجتماعي (تتبع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية)، رغم أن قانون العمل رقم 37 لعام 2015 يلزم صاحب العمل بشمول العمال بالضمان الاجتماعي، واتخاذ إجراءات السلامة المهنية المناسبة، ولكن ضعف الالتزام بالتعليمات يزيد خطر وقوع حوادث العمل، بخاصة في المنشآت الصغيرة ومتوسطة الحجم التي يعمل لديها أقل من 50 عاملاً، وهؤلاء تتراوح نسبتهم بين 80% و85% من إجمالي عدد العاملين، ويصنفون ضمن الفئات الأكثر عرضة لخطر الحوادث والأمراض المهنية، غير أنّ استثناء قانون العمل لصاحب المنشأة التي يقل عدد عمالها عن الخمسين من الإخطار والإبلاغ عن الحوادث لدى وزارة العمل يؤدي إلى ضياع حقوقهم، وفق ما يؤكده تقرير منظمة العمل الدولية بعنوان “أدوات ونماذج الإخطار والتسجيل والإبلاغ والتحقيق في الحوادث والإصابات والوفيات المهنية في جمهورية العراق”.
تباين أعداد الإصابات الموثقة
يفتقر العراق إلى التنسيق بين الجهات المعنية بجمع بيانات الحوادث المهنية والإبلاغ عنها، ما خلق تبايناً في الأعداد الموثقة، إذ بلغ مجموع إصابات العمل في العراق (باستثناء إقليم كردستان) 5777 إصابة، في حين بلغت الوفيات الناجمة عنها 122 حالة، وسُجل أكبر عدد من الإصابات في محافظة ديالى شرق بغداد بإجمالي 1810 حالات، وهي الأولى على صعيد الوفيات أيضا إذ سجلت فيها 47 وفاة، بحسب التقرير الإحصائي السنوي لعام 2022 الصادر عن وزارة الصحة.
وبلغ عدد الإصابات المبلغ عنها بواسطة شعب طوارئ المستشفيات 44.188 إصابة بين عامي 2012 و2022، وتعكس البيانات تزايدا في أعداد إصابات العمل المسجلة في شعب طوارئ المستشفيات منذ عام 2012، إذ سجلت 2570 إصابة عمل، وقفز العدد إلى 5882 حالة في عام 2013، ثم وصل إلى ذروته عام 2014 بعدد 7147 إصابة، وفي عام 2015 انخفض إلى 6358 حالة، ثم إلى 4966 حالة في 2016، وتوالى الانخفاض عامي 2017 و2018، ليرتفع من جديد إلى 3020 حالة عام 2019، بينما سجل عام 2020 أقل عدد من الحالات وبلغت 424 إصابة، بسبب انتشار جائحة كورونا التي أدت إلى توقف عمل غالبية المنشآت.
وتزايد عدد الإصابات في عام 2021 بمعدل 3593 حالة، وازدادت إلى 4011 حالة في عام 2022، وشملت الإصابات المبلغ عنها جروحاً وكسوراً وبتر أطراف وصعقاً كهربائياً، وسُجلت غالبيتها في قطاع المعادن والبناء وكانت الحوادث التي بلغ عنها أصحاب العمل أقل بكثير، ما يشير إلى إحجامهم عن توثيق ما يقع من إصابات، إذ أبلغوا عن 179 إصابة عام 2012، و173 حالة عام 2013، وفي 2014 أبلغوا عن 168 إصابة، و289 في العام التالي، و185 حالة عام 2017، وسجل في عام 2018 أعلى عدد حالات بلغ عنها أصحاب العمل وبلغت 485، وانخفض العدد إلى 352 عام 2019 وإلى 320 إصابة عام 2020، بحسب الملف الوطني للسلامة والصحة المهنية الصادر عن المركز الوطني للصحة والسلامة المهنية (يتبع وزارة العمل) عام 2022.
ويعزو المهندس مشرق عبد الخالق مدير المركز الوطني للصحة والسلامة المهنية، أسباب زيادة الإصابات والوفيات إلى الانفتاح الكبير في المشاريع الاقتصادية والاستثمارية بعد عام 2003، لكن في الوقت نفسه يرصد المركز عدم الاهتمام بتطبيق تعليمات السلامة والصحة المهنية لوقاية العمال من أخطار إصابات العمل اليومية وعدم التزام مسؤولي السلامة المهنية في مواقع العمل بمتابعة اشتراطات السلامة بشكل فاعل. وترجع منظمة العمل الدولية في تقريرها بعنوان جدليات الحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي والتشغيل في العراق المنشور في 22 يوليو/تموز 2022، ضعف التزام المؤسسات إلى ضعف التفتيش وقلة الدعم المخصص له، ونقص عدد المفتشين في الوزارة والتي لديها 108 مفتشين، يعمل نصفهم في بغداد.
ما هي القطاعات الأكثر تسجيلاً لإصابات العمل؟
احتل قطاع الخدمات المركز الأول من حيث عدد الإصابات التي بُلغ عنها عبر مؤسسات خاصة في عام 2022، بعدد 1863 إصابة من إجمالي عدد الحالات المسجلة في ذلك العام والبالغة 4011، ويليه قطاع الإنشاءات والذي سجل 1064 إصابة عمل، ثم القطاع الصناعي الذي سجل561 إصابة، وخلال النصف الأول من عام 2023، بلغ عدد إصابات العمل 1779 حالة، كان أعلاها في قطاع الخدمات وبلغت 968 إصابة، وتلاه قطاع الإنشاءات الذي سجل 445 إصابة، أما القطاع الصناعي فقد سجل 246 إصابة، بحسب بيانات نظام رصد وتسجيل إصابات العمل لدى المركز الوطني للصحة والسلامة المهنية والتي زودت “آخر الأخبار للأنباء” بها.
وتنوعت أسباب الإصابات وفق بيانات المركز، وكان السقوط وانزلاق الأشياء السبب في 28% من حوادث العمل عام 2022، بينما تسببت الماكينات في وقوع 22% منها، وأدوات العمل اليدوي بـ 14% من الحالات. وفي النصف الأول من عام 2023، تسبب السقوط وانزلاق الأشياء بـ 28% من الإصابات، وتسببت الماكينات بـ27% منها، و15% منها تسببت بها أدوات العمل اليدوي.
ويتفوق عدد إصابات ووفيات العمل في القطاع الخاص بحسب ما تُجمع عليه مصادر التحقيق، ومن بينها رئيس اتحاد نقابات عمال الديوانية سابقاً علاء المحنة، الذي يؤكد أن قطاع البناء يشهد حوادث عمل متكررة وقاتلة مثل السقوط من أماكن مرتفعة، وكذلك المعامل الأهلية كالمطاحن ومعامل الطابوق (الطوب الأسمنتي) ومعامل إنتاج مساحيق التنظيف من أكثر الأماكن خطرا على العمال، وغالبا ما تحصل فيها حوادث تسبب إصابات وحروقاً بسبب طبيعة العمل وغياب إجراءات الوقاية وضعف الوعي لدى العمال، وغالبيتهم “بسطاء” على حد وصفه، ولا يدركون مخاطر المواد الكيميائية التي يتعاملون معها، ولا يستخدمون أدوات الوقاية الملائمة لأنه لا يتم توفيرها لهم.
وهو ما يتطابق مع ما وثقته النائبة نور نافع الجليحاوي، عضوة لجنة العمل ومؤسسات المجتمع المدني البرلمانية، من خلال عملها الرقابي، مؤكدة لـ”العربي الجديد” على غياب إجراءات السلامة المهنية، كما ترصد أن غالبية العاملين ليسوا مختصين في المهن التي يعملون فيها لذلك يجهلون التعامل الصحيح مع الأجهزة أو الأدوات ما يتسبب بحصول إصابات ووفيات. وتتفق معها النقابية انتصار يوسف الخفاجي، السكرتير العام التنفيذي للاتحاد العام لنقابات العاملين في العراق، والتي تحصر أسباب وقوع الإصابات والوفيات في عدم ارتداء معدات الوقاية الشخصية المهنية إما نتيجة إهمال العامل أو عدم توفيرها في موقع العمل من قبل الجهة الحكومية أو أرباب العمل في القطاع الخاص، غير ذلك، فإن إرهاق العامل وعدم تهيئة بيئة العمل الصحية وطرق ترتيب المواد الأولية وخزنها تنذر بوقوع إصابات خطيرة.