تقارير ومطولات

صانعات الحرف اليدوية ما بين الانتعاش الاقتصادي وتغييرات المناخ في البصرة جنوب العراق

 

البصرة / هند عبد الفتاح

في جنوب العراق، يعتبر التنور الطيني واحدًا من أقدم وسائل صناعة الخبز التقليدية والتي تعد صناعته جزءًا لا يتجزأ من تراث المنطقة، وهي تمثل مهارة ينتقلها الأجيال بمرور الزمن ويتميز التنور الطيني ببساطته واقتصاديته، حيث يعتمد على الأخشاب أو الفحم او الحطب الذي يجمع من مخلفات النخيل والسعف اليابس والذي يكون وقودا جيدا لاعداد الخبز العراقي الشهير وانواع اخرى من انواع الخبز المتوارثة لدى العراقيين بالاضافة الى السمك المشوي والسمك المسكوف وبالاخص جنوب العراق وفي البصرة تحديدا.

في طريقنا الى ابي الخصيب ذلك القضاء الاخضر والذي يقع في البصرة والذي يتميز بهويته الزراعية الخضراء والتي كاد يفقدها تدريجيا التقينا بأم سجاد وهي امرأة جنوبية اختلطت ملامحها الجنوبية الجميلة مع حرارة الشمس كما تلونت يداها بعجينة الطين البني الذي تبني منها التنور الطيني الشهير بخبزه بالخبز العراقي والذي يعتبر العنصر الاساسي لكل مائدة عراقية.

تعتبر البصرة من المحافظات ذات النمو السكاني حيث بينت وزارة التخطيط في تصريح لها في يوم السكان العالمي واشار الى ان “نحو 50 بالمئة من السكان يتركزون في محافظات (بغداد- نينوى- البصرة- ذي قار)، ويشكل سكان المدن (الحضر) 70 بالمئة مقابل 30 بالمئة نسبة سكان الريف”واعتبر المتحدث باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي أن هذه الزيادة طبيعية، مشيرا إلى أن عدد سكان العاصمة بغداد وفق الإحصائية 8 ملايين و750 ألف نسمة، والموصل 4 ملايين، والبصرة 3 ملايين بحسب احصائية 2021.

ام سجاد التي ترتدي عبائتها السوداء وفوطتها التي تلثمت بها لتخفي وجنتاها عن حرارة الشمس وصفت لنا اهمية هذا التنور في المنطقة التي تعيش بها وكيف تتم صناعته قائلة ” عملية صناعة التنور تتطلب خبرة ومهارة كبيرة.

يتم جمع الطين وخلطه بالماء حتى يصبح عجينًا لينًا. ثم يتم بناء التنور بشكل دائري، ويترك ليجف بعد ذلك. يتم تدعيمه بالطوب أو الحجارة لضمان استقراره. يجب أن يكون الجدار الداخلي للتنور ناعمًا لتسهيل عملية إزالة الرغيف المخبوز.”

لكون التنور يحتاج الى وقت ليس بالقليل لاعداده وصناعته فليس بالكثير تنتج التنانير الطينية لكنها لا تعد قليلة شهريا فربما ينجز اكثر من 15 تنور شهريا وهذا يتبع الطلب والعرض عليها وايضا يعتمد عددها على الموسم حيث تقل صناعتها في فصل الشتاء بسبب الامطار والاجواء الغائمة.

وتضيفام سجاد، ” ان هذه المهنة تعلمتها من والدتي والتي اعتبرها شيء لا يتجزأ من شخصيتي حيث لا اجيد عمل اشياء اخرى مثل هذه الحرفة والتي يطلبها الكثيرون من البصرة سواء كانوا من المجتمع او من اصحاب المخابز التجارية وتتغير اسعاره بحسب الحجم حيث نبدأ من 15 الف حتى نصل الى الخمسين الفا.”

لا يوجد رقم محدد للنساء في هذه الحرفة الا ان هذه الحرفة هي متوارثة في بعض القرى في البصرة و ودائما ما نرى ان محترفي هذه الحرفة هن النساء الكبيرات في السن والتي توارثوها من امهاتهن .

عبدالله وصفي 35 عاما مهندسا زراعيا يبين مدى تأثير التغييرات المناخية على الحرف والمهن اليدوية وكيف تأثرت بها مما اثر على كميتها وجودتها وارتفاع اسعارها حيث يقول، “ان من اهم التأثيرات المناخية على الصناعات الحرفية هو التغييرات في المواد الخام والتي يمكن أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة وتقلبات الطقس إلى تغيرات في جودة وكمية المواد الخام المستخدمة في الصناعات الحرفية، مما يمكن أن يؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج.”

المطالبة باتخاذ تدابير إضافية

تتطلب التغيرات المناخية إجراءات إضافية لحماية والموارد مثل تحسين التهوية وتبريد المباني في حالات الارتفاع الحراري، مما يمكن أن يزيد من تكاليف الإنتاج وبالمقابل يرتفع المنتج المحلي وقد لا يكون متاحا ولا يكون بمتناول الجميع.

يقول الخبير البيئي والمناخي العراقي وعضو الاتحاد العالمي لحماية الطبيعة أيمن هيثم قدوري، في تصريح صحفي  “الكثير من التقارير العالمية تشير بالفعل إلى أن عام 2100 هو الموعد المتوقع لغرق ثلث مساحة اليابسة على سطح الأرض، حيث أن جميع مدن العالم التي تتراوح الارتفاعات فيها ما بين 0 – 10 م عن مستوى سطح البحر مهددة بخطر الغرق نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر لما يقارب 25 -30 م، بسبب ذوبان جليد القطبين وتحديدا القطب الجنوبي للكرة الأرضية.

ويضيف أيمن هيثم قدوري، “تعتبر البصرة واحدة من المدن المهددة عالميا بشكل رئيسي بخطر الغرق، نظرا لانخفاض أراضيها حيث يتراوح ارتفاعها ما بين 2.5 م إلى 4.5 م عن مستوى سطح البحر، وقد شهدت البصرة ارتفاع مياه البحر قياسا باليابسة خلال القرن العشرين بمعدل تراوح بين 20 – 30 سم بفترات تفاوتت بين الركود و الغمر، وهذا المعدل المرتفع يجعلها ضمن أكثر 6 مدن حول العالم عرضة للغمر بمياه البحر بشكل جزئي خلال السنوات العشر القادمة”.

د.احمد شاكر متخصص بالجانب النفسي يصف التغييرات المناخية بأنها احد العوامل المؤثرة نفسيا على حياة الانسان بشكل عام واذا قورنت باجواء البصرة فمن الممكن ان نصفها بالاقسية والتي تحمل اثار كبيرة على صحة المرأة النفسية لاسيما يكون تاثيرها ملموسا على النسوة العاملات في الاجواء المفتوحة وتحت اششعة النفس بالاخص النساء الريفيات واللاتي يتحملن ظروف جوية قاسية كارتفاع الحرارة الذي يتجاوز 50 درجة.

وأضاف د.احمد شاكرالى ان العواصف الترابية من الممكن ان يعتبر احد التهديدات على الاستقرار المكاني لمنتجاتهن،بالاضافة الى ان العوامل المناخية تؤثر على امكانية الحصول على المواد الاولية بشكل مستمر مما يؤثر على الاستقرار الحرفي لهن والذي يؤثر سلبا على المردود الاقتصادي لتلك النساء.

المادة الخام التي تحتاجها صناعة التنور الطيني هي الطين الحر الذي ياخذ من قاع الانهر او الطين الذي يرمى بعد تنظيف الانهر وكريها والتي تعتبر هذه العملية (عملية كري الانهر) عملية كادت ان تختفي بعد ان كانت تنفذ بشكل سنوي في الانهر وافرعها في قضاء ابي الخصيب.وقد تعتمد بعض الاحيان المادة التي يصنع منها التنور من خلال الخليط الطيني من التراب الناعم وبعض مواد التخمير مع الماء.

الحرف اليدوية لاقت صدى واسع

د.رنا مهدي متخصصة في الجغرافية البشرية تبين الجانب الايجابي للتغيرات المناخية واثرها على المهن اليدوية مبينه ان، ” التغييرات المناخيةقد تفتح أيضًا فرصًا جديدة للصناعات الحرفية، على سبيل المثال، الطلب على منتجات مستدامة وصديقة للبيئة قد يزيد، مما يمكن أن يساعد في توسيع الأعمال “.

وتضيف ان الحرف اليدوية لاقت صدى واسع جدا وطلب عالي في الجانب السياحي وانتعاشه وقد ارتفع هذا الانتعاش بعد استضافت البصرة لبطولة خليجي 25 والتي من خلالها الكثير من السواح العرب والاجانب كان لهم طلب كبير على هذه الحرف والتي كانت فترة استثنائية و بشكل عام، يجب على أصحاب الصناعات الحرفية أن يكونوا على استعداد للتكيف مع التغيرات المناخية واستغلال الفرص وتقليل المخاطر المحتملة من خلال تبني ممارسات أكثر استدامة وفعالية من حيث التكلفة “.

بطولة خليجي 25 هي بطولة كروية تقام كل عامين في احد الدول الخليجية والتي يترشح لها من خلال اتحاد كرة القدم الخليجي وقد استضاف العراق هذه البطولة في بداية العام الحالي 2023 بعد انقطاع وحظر دام اكثر من 39 سنة حيث كان اخرها عام 1979، وقد استضافت البصرة هذه في البطولة.

مابين عوامل انتعاش الحرف اليدوية والذي يتعبر التنور الطيني الذي يصبع بايادي النساء الجنوبيات باحتراف والذي يعبر عن الهوية الفلكلورية والثقافية للكثير من المناطق الجنوبية وما بين تأثيرات المناخ وتراجع هذه المهارات في مواسم معينة ، يبقى التنور الطيني الذي تنبعث منه روائح الخبر و السمك المشوي موروث عراقي مرتبط بذاكرة الكثير من الاجيال وجزءا لا يتجزأ من هوية جنوب العراق والبصرة تحديدا.

تامل ام سجاد ان هذه الحرفة لا تندثر وتتوارث للنساء فيما بعدها حيث تعتبر موروث شعبي يعبر عن هوية تراثية اصيلة ، كما تامل ان يكون الطلب اكثر على منتجاتها هي وقريناتها من صانعات التنور الطيني.

تم إنتاج هذا التقرير ضمن اطار مشروع أصواتنا المنفذ من قبل منظمة انترنيوز .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى