تقارير ومطولات

نساء هور أم الودع يقاومن غضب المناخ ويبحثن عن حلول

اسماء شعلان 

في ظل ظروف الجفاف عمدت أم رياض إحدى سكنة هور أم الودع إلى مواجهة الواقع الحالي وإيجاد منافذ يمكن من خلالها ان تستقر في موطنها الأصلي؛ إذ قامت مؤخرا بتعليم الفتيات على إمكانية تعلم هذه الحرفة الاهوارية لمقاومة ظروف الجفاف حتى دَرّبت ما يقارب (25) فتاة كي تصنع منهن جيلاً يحافظ على هذا الإرث التاريخي ويمكنهن من كسب المال والبقاء داخل هذه البيئة الجافة فيقصدن المسافات من أجل ديمومة العمل.

طفولة تضطر إلى العمل والضريبة ترك المدرسة

الفتيات الصغيرات أغلبهن لم يكملن الدراسة نتيجة بُعد المدرسة والظروف المجتمعية التي يعيشها المجتمع هناك والذي يكتفي بتعلم الفتاة القراءة والكتابة .

شيماء صاحبة ال26 عام إحدى الفتيات المتعلمات تتحدث لنا وهي ممسكة بأعواد القصب وتقول : إن هذه المهنة مكنتنا من شراء الطعام بعد ان كان اعتمادنا على صيد الأسماك وتربية الجاموس، مضيفةً :  لا يستطيع أبي أن يوفر لنا مصروفاً متكاملاً للعائلة بسبب تراجع فرص العمل التي تعتمد على وفرة مياه الأهوار ولكن هذه المهنة يمكن ان تساعده في توفير احتياجاتنا اليومية .

أما فاطمة التي لم تلتحق بمقاعد الدراسة منذ الطفولة التحقت بمدرسة أم رياض، ولمحت في هذا المكان بقعة ضوء تخفف عنها بعضاً من ظلمة أيامها الحالكة، حدثتنا فاطمة بلكنتها الجنوبية المملحة : ” آنه جان بنفسي أصير بالمدرسة بس أهلي مايخلوني، عيب أروح للمدرسة لا أبوي ولا إخواني يقبلون، وصرت اخلص وقتي يم خالتي أم رياض أسير عليها واتعلم أحوك بارية حتى احصل لي مصرف من أبيعها ” 

بهذه الكلمات التي تقطر مرارة وألماً تصف فاطمة حالها بعد أن حُرمت كما العديد من فتيات الأهوار من الالتحاق بمقاعد الدراسة  فوجدت ضالتها في هذا المكان لتتعلم مهنة وتبدع فيها رغم قساوة العيش في هذا المكان الذي يحاصره شبح الجفاف .

شحة المياه أدى مؤخرا الى جفاف هور أم الودع الذي يقع اقصى جنوب الناصرية والذي يقطنه المئات من العائلات في الفترة الماضية أما الآن فلم يبقَ سوى بيوتات معدودة فالأعم الأغلب منها قد رحلت إلى مكان أكثر وفرة .

صناعة ( البارية) إحياء للتراث ومصدر للرزق

وتبدأ أم رياض في كل يوم مع إشراقة الشمس لقطع المسافات الطويلة تقوم بجمع أعواد القصب فلم يعد أي منها بالقرب من منزلها، لتحصل على أكوام من القصب فيُسر نظرها بلونه الأصفر تعمل على نسجها بيدها، تجلس في باحة منزلها مرتدية ثوبها ذي اللون الأسود وعباءة عربية قد تأزرت بها لتفترش الأرض بالقصب الذي جمعته بشق الأنفس لندرته وتعمل على تقشيره و قطعه الى نصفين بشكل طولي.

عملية الحياكة _ كما تصفها أم رياض _ أنها  تستغرق منها يوماً إلى يومين ومن ثم تقوم بعرضها للبيع بمبلغ لا يتجاوز الثمانية آلاف دينار، فهذه المهنة التي توارثتها عن أهلها مكنتها من مصارعة الحياة وجمع مصاريفها بشكل يومي من دون الحاجة إلى مساعدة الآخرين وهي لا تمتلك أرضاً تزرعها أو عددا من الجاموس لترعى بها وليس لديها القدرة على صيد الأسماك ومزاحمة البائعين في “علوة” بيع السمك .

تنسج أم رياض في غضون أسبوع ما لايقل عن خمس حصيرات وفي بعض الأحيان تساعدها رفيقات لها من المكان الذي تقطنه أو زوجة إبنها لتزداد الكمية وتظفر برزقٍ أوفر.

 

الجفاف يحاصر حياة سكان الأهوار

كمية الحصران تضاءلت مؤخرا بفعل الجفاف فنبات القصب وهو العنصر الأساسي لصناعة الحصيرة يعتمد على المياه وما أن حلَّ الجفاف بفعل آثار التغير المناخي حتى انحسر وجود هذا النبات وبالتالي تأثرت الكميات التي تصنعها، ينتابها الخوف من فقدان مهنتها التي اعتادت عليها في ظل عمرها المتقدم فهي غير قادرة على التعلم من جديد مهنة أخرى، سيما وأن أجواء الهور لا توفر خيارات للعمل غير الصيد وتربية الجاموس وصناعة الحصيرة القصبية.

يقول حيدر السعدي مستشار المحافظ لشؤون المواطنين وناشط مدني : “تعد الأهوار مأوى كبير جدا للكثير من الحيوانات والنباتات المائية ومنها القصب والبردي بالإضافة إلى أنواع مختلفة من الأسماك وشبح جفافها تسبب بمشاكل كثيرة منها إحداث تغيير ديموغرافي يتمثل بانتقال قبائل وعشائر من أماكن سكنها إلى المدينة أو حتى محافظات أخرى وبالتالي سنفقد الكثير من المهن وسيزاحم أبناء الاهوار أبناء المدينة على أعمالهم كما سيؤدي الى خسارة الإعمال اليدوية وفقدان الكثير من الفلكلور والكثير من المهن التي يمتهنها أبناء الاهوار وسيعود علينا بخلل اجتماعي كبير جدا”

 

هور أم الودع الذي جفَّ بشكل كامل والذي تبلغ مساحته الكلية 30 دونم مما دفع بالأهالي إلى النزوح إلى مناطق اكثر وفرة مائية ولم يتبقَ من الأهوار سوى هور الجبايش والذي يعد أكبر مسطح مائي طبيعي في جنوب العراق وتم إدخاله ضمن لائحة التراث العالمي اليونسكو عام 2016 وهذا العنوان لم يضمن له الحفاظ على مناسيبه المائية كي يعبر إلى بر الأمان، فالجفاف تسبب بنزوح الأهواريين ونفوق الأسماك والجاموس.

جنة عدن مهددة بالانقراض 

الخبير المائي جاسم الأسدي وناشط في مجال البيئة وأحد أبناء الجنوب أوضح لنا من خلال اتصال هاتفي “بان المساحة الاهوارية التي متاح لها الاغمار بلغت 5660 كيلو متر مربع وهذه المساحة وصلت الى قمة الاغمار عام 2019 عندما ارتفعت مناسيب المياه إلا أن الكميات بدأت تتضائل حتى انحسرت إلى مستويات كبيرة وبلغت نسبة المساحات الجافة قرابة الـ  90% .وهي في أسوء أحوالها الآن. جنة عدن مهددة بالانقراض‘ بينما هور الحمّار الشرقي لازال يحافظ على اغماره لأنه  يعتمد على المد والجز من شط العرب عبر كرمة علي وهورالشافي “هور الشافي هو جزء من هور الحمار الشرقي ويقع ضمن محافظة البصرة “

ويرى الأسدي أن هذا الجفاف يتسبب بمشاكل كبيرة ليس فقط على سكان الأهوار المحليين بل على التنوع الأحيائي إذ تعد الأهوار واحداً من أكبر المسطحات المائية ذات تنوع احيائي مختلف من قبيل طيور البط او كلب الماء وغيرها من الزواحف والاسماك.

 

مسؤول قسم الثروة الحيوانية في زراعة ذي قار الدكتور ميثم عزيز أشار إلى أن ما تم تسجيله فقط في موسم الصيف الماضي من هلاكات في الجاموس تجاوزت الـ 6000 رأس من الجاموس من أصل 60 ألف رأس في محافظة ذي قار مما يعني خسارة للثروة الحيوانية خصوصا وأن 

هذا الحيوان يعتمد بشكل أساسي على المياه ونبات القصب والبردي.

 

واشار بيان للامم المتحدة في حزيران 2022  بان ” دراسة استقصائية، أجريت العام 2021 وشملت سبع محافظات عراقية  كشفت عن  37 بالمئة من مزارعي القمح و30 بالمئة من مزارعي الشعير، يعانون من فشل المحاصيل بسبب الجفاف الذي ضرب البلاد.”

أما منظمة اليونسف وفي 24 من آب الماضي لفتت بأن العراق ” يحتل المرتبة 61 من أصل 163 بلد حسب مؤشر اليونيسف في مخاطر المناخ على الأطفال” و “يصنف كخامس دولة معرضة لنقص المياه والغذاء ودرجات الحرارة القصوى”

 

وسجلت محافظة ذي قار منذ عام 2021 وحتى أيار 2023 نزوح أكثر من 1300 عائلة بسبب الجفاف وفقا لإحصاءات رسمية.

على مدار ثلاثة مواسم شتوية سجلت محافظة ذي قار أقل معدل لهطول الأمطار وفقاً للجهاز المركزي للإحصاء، إذ بلغت كميات الامطار في عام 2016 قرابة الـ 58.3 ملم وتلتها عام 2017 بـ 27 ملم أما عام 2021 فبلغ 33.6 ملم فيما لم تشهد السنوات المتبقية كميات من الأمطار يمكنها أن تنعش الأراضي وتروي الزرع.

جهود حكومية لإغاثة الأهوار 

الحكومة العراقية اتخذت عدة خطوات لمعالجة مشكلة المياه، ففي زيارة وزير الخارجية التركي  هاكان فيدان الأخيرة أشار في تصريح صحفي أنه تم التوصل إلى إتفاق مع نظيره العراقي فؤاد حسين لتشكيل لجنة مشتركة دائمة بشأن المياه وجاء في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين  إن «الحكومة التركية تتابع عن كثب نقص المياه في العراق ونتعامل مع القضية من وجهة نظر إنسانية وتم التوصل خلال المباحثات إلى تشكيل لجنة مشتركة دائمة بشأن المياه»

 

وشدد رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني لدى استقباله وزير الخارجية التركي على جدية بلاده في طرق كل الملفات الثنائية مع تركيا «بروح التعاون وحسن الجوار»

وبالرغم من واقع الجفاف لازالت أم رياض تعمل على ضرورة التكيف مع الظروف الحالية التي فرضها التغير المناخي من خلال مساعدة ابنها هيثم اذ يقطع مسافات كبيرة بحثا عن القصب الصالح للنسج من اجل ديمومة عملها وعدم مغادرة بيتها التي نشأت فيه، فالأمل يحدوها بأن تعود الأهوار كسابق عهدها، وأن هذه الارض هي مصدر رزقها الوحيد فمن غير الممكن بحسب كلامها أن تتأقلم مع الظروف التي هي خارج مجتمعها الأصلي .

 

(تم انتاج هذا التقرير ضمن اطار مشروع أصواتنا المنفذ من قبل منظمة انترنيوز.)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى