في عالمنا النامي وفي المجتمع العربي بشكل خاص عندما تفقد المرأة زوجها وهي غير مهيئة للعمل ذاتيا بحكم التقاليد، يؤدي ذلك الى اعتمادها على الاخرين مما يفقدها استقلالها ، ويجعلها عرضة للاستغلال .
بشكل خاص في العراق تحت ظل حكومات تتبنى ستراتيجيات متتابعة للتخفيف من الفقر فيما نسبه تشهد ارتفاعا، ورغم عدم وجود احصاءات دقيقة الا أن بعض المصادر الرسمية تشير الى أن معدل الفقر في العراق قد ارتفع الى اكثرمن 25% حسب ما جاء في تقرير لقناة سكاي نيوز العربية:
https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1551478%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9
%82-%D8%B1%D9%82%D9%85-
%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%85-
%D9%86%D8%B3%D8%A8%D8%A9-
%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%82%D8%B1
بعد ان كانت هذه النسبة لا تتجاوز ال 20% في عام 2020 وإن أكبر المتضررين من ارتفاع نسبة الفقر هي الاسر التي تعيلها النساء بحسب بيانات برنامج الغذاء العالمي WFP ، واغلبهن من الارامل ،يضعنا هذا أمام تساؤلات حول معاناة تلك النسوة، اللائي فقدن المعيل وينظرن بعين الرجاء ،لمجتمع يعمق جراحهن بالإهمال وتنفتح فيه أ بواب الابتزاز والمساومة على مصراعيها بفعل شيوع الفساد .
تتردد قصص عديدة حول تعرض الارامل الى الاستغلال من جهات عدة ، الامر الذي دفعنا لتتبع تلك القصص ومحاولة لفت النظر الى ما تعانيه فئة الارامل .
لا أثق بأحد .. .
اسماء من مدينة بابل ، شابة تبلغ من العمر 24 عاما ، لها طفلان من الذكور وتسكن في دار مستأجرة فقدت زوجها منذ أربع سنوات إثر حادثة جنائية قُيدث ضد مجهول.
روت لنا أسماء حكايتها قائلة: ” نشأت يتيمة الاب ولي ثلاثة إخوة، زوجني اخي الاكبر لاحد معارفه وانا بعمر ال 15 ، وتوفيت أمي بعد زواجي بعام ، رزقت بطفلين فيما هاجر إخوتي الى خارج البلد ، كان زوجي يعمل كاسبا ، ودخله وفر لي ولأطفالي حياة كريمة ، كنا نسكن في بيت مشترك مع اخوته ، بعد وفاته لم يعد مرحبا بي وبأطفالي في ذلك البيت ،فغادرته واستأجرت منزلا بسيطا ، كنت بلا عمل ولا اي دخل يعينني على إعالة اطفالي. ”
تنهدت أسماء بعمق وأكملت:” لم اتمكن في البداية من التقديم على راتب الرعاية لاني لا املك مالا لأنفقه على أجور التنقل او مراجعة الدوائر الحكومية ، واتجهت للعمل كمنظفة في بعض الدور ،الامر الذي عرضني للكثير من المواقف التي آلمتني بشدة وافقدتني الثقة في الاخرين ، كذلك فقدت الشعور بالأما ن ،خاصة بعد ان تعرضت للمساومة من رجل دين كان يعطيني بعض المساعدات المخصصة للأرامل ، بعد فترة قال لا يمكنني ان استمر بأيصال المعونات اليك الا اذا وافقت على ان يكون بيننا علاقة زواج مؤقت سرية لا يعلم بها احد، وما ان سمعت منه ذلك انفجرت بالبكاء وصرت اتوسل اليه ان لا يحرمني من تلك الاموال لاني سأطرد وابنائي الى الشارع ، لم يستجب لتوسلاتي، فوافقت مرغمة وبعد اشهر معدودة تركني وقطع المعونات كما أغلق هاتفه، من يومها لم اعد اثق بأحد . ”
سند مزيف .. .
لمروة قصة تختلف عن قصة أسماء في احداثها لكنها توافقها في المعاناة ، مروة من محافظة الناصرية وتقيم حاليا في البصرة تبلغ من العمر 27 عاما ،أم لثلاثة اطفال استشهد زوجها اثناء تنفيذ مهمة امنية منذ ثلاثة اعوام قالت لنا :” بعد استشهاد زوجي عانيت كثيرا فقد كنت اعتمد عليه بشكل كامل في تسيير شؤون الاسرة وكان ينفرد في اتخاذ القرارات المتعلقة بالجانب الاقتصادي ،لم اكن اعرف شيئا ، لذلك كان من السهل استغلالي حتى من اقرب الناس لي ، فبعد ان وضعت كل ثقتي بأخي ،الذي اقنعني بأنشاء مشروع تجاري يديره هو ونتقاسم ارباحه كي أعيل أطفالي ولا احتاج لاحد ، ولأني لا اعرف شيئا في الامور التجارية فقد وافقته ولم اتوقع النتائج ”
لحظات صمت مرت قبل ان تختم مروة حديثها قائلة:” لقد خذلني اخي وسرق اموالي مستغلا جهلي وسافر الى خارج البلد .”
تحت خط الفقر .. .
أم صلاح من اهالي السماوة وتقيم حاليا في النجف تبلغ من العمر 43 عاما ولها 6 ابناء اكبرهم يبلغ من العمر 16 واصغرهم بعمر 7 اعوام، فقدت زوجها اثر صعقة كهربائية قالت انها تحصل على المعونات الحكومية غير انها لا تكفي حتى لدفع ايجار المنزل الذي تقطنه ” ، استلم من الدولة مبلغا قدره 325 الف دينار عراقي شهريا كأعانات لاعالة ابنائي الستة وقد اضطررت للاستدانة من اجل الحصول على هذه المساعدات وتعرضت للتحرش من موظفين كما اني انتظرت اكثر من عام ونصف حتى احصل على راتب الرعاية الاجتماعية “، واكملت قائلة : إنني أ عيل ابنائي من جمع النفايات واحيانا اوفر لهم الطعام مما يرميه الناس فراتب الرعاية أعطيه كأجرة للبيت” .
الاف القصص التي تحمل معاناة مخفية في حياة الارامل والتي يغض الطرف عنها المسؤول الحكومي والمجتمع بشكل عام ولكي لا تنفرد الارامل في تحمل هذا العبء حملنا هذه القصص وما تتضمنه من تساؤلات الى بعض الجهات الرسمية والمجتمعية علنا نلفت الانظار.
تقول السيدة بلسم فالح التميمي )رئيس مؤسسة المرأة العراقية الماهرة” ( الواقع الاقتصادي للارامل واقع مرير جدا حيث تعاني الارامل من الفقر والبطالة والعوز والحرمان وبعضه ن يتعرضن للتحرش الجنسي او الاعتداء او المساومة من اجل لقمة العيش لهن ولاطفالهن. و ما يقدم لبعضهن من راتب الرعاية غير كاف لسد احتياجاتهن واحتياجات اطفالهن ،بسبب غلاء الطعام والعلاج او ايجار السكن ،وبعضهن لا يملكن اي دخل مادي ولا حتى راتب الاعانات المتواضع” . وأضافت ” هناك امور تقف عائقا امام اعتماد المرأة الارملة على نفسها ، منها الواقع الاجتماعي والبيئة والتقاليد والاعراف وخصوصا في الارياف والقرى ” ومن واقع خبرتها تقول السيدة بلسم “نحن كمؤسسة عملت في الريف والقرى وعملت لنهوض واقع المراة الاقتصادي والمعيشي نقترح توعية المجتمع من خلال استثمار قصص النجاح للنساء والارث التاريخي والديني من خلال رجال الدين والاشادة بالمرأة العاملة ، كذلك تأهيل المرأة وتدريبها على كيفية تأسيس مشروع صغير او متوسط ،وكيفية البحث عن تمويل ،وكيفية ادارة المشاريع ،وايضا تقديم منح مالية او قروض ميسرة لهن للبدء بالشروع بمشروعها الخاص ، ونحن لدينا قصص نجاح لبعض النساء ممن افتتحن مشاريع من خلال تقديم منح مالية ومنها مشاريع الحلاقة والتجميل وصناعة الاكلات وتصليح الموبايلات والتصوير وفتح مكتبات للطباعة وبيع الكتب،ومشاتل للاشجار ومناحل وتربية المواشي كل تلك المشاريع تفيد في الارتقاء بواقع الارامل وتعزز مكانتهن في محيطهن وتجعلهن اكثر فعالية وبروزا”
اما السيدة ابتسام البدران )رئيس مركز سيدات الاعمال في البصرة( فتقول: ” في اتحاد سيدات الاعمال ما نسبته 15% من الارامل نقدم لهن ولكل النساء دورات تدريبية لتطوير قدراتهن الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”
واسترسلت قائلة”: لدينا أرامل لديهن مشاريع خاصة ومعتمداتن على انفسهن وايضا يساعدن باقي النساء على تأسيس المشاريع الصغيرة.
وتم تسجيل قصة نجاح لسيدة أرملة اصبحت مرشدة ومدربة اعمال تجارية ولديها محل لبيع المواد الغذائية والكهربائية سجلتها الوكالة الالمانية للتعاون الدولي والاتحاد الاوروبي كقصة نجاح”
وحول الخطط المستقبلية تقول البدرا ن: “خططنا المستقبلية شاملة لكل النساء وهي التدريب والتطوير والتمكين الاقتصادي والاجتماعي من خلال الدورات التدريبية والجلسات الارشادية وهناك منح من منظمات دولية تساعد النساء على تأسيس المشاريع الصغيرة”.
الحقوقية ازهار الدليمي تشير الى مسؤولية اطراف عدة حول معاناة الارامل اقتصاديا “المسؤول الاول عن هذه المعاناة الحكومة والسياسات الحاكمة وكذلك القانون والعشائر ومنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية والاعلام جميع هذه الجهات مسؤولة ”
كما اشارت الدليمي الى ” ضرورة تقديم الدعم النفسي والاجتماعي والاقتصادي بشكل كامل للاراملة كي تتجاوز محنتها وتصبح قادرة ان تعتمد على نفسها”
واقترحت الدليمي ” ان توفر الحكومة مساكن خاصة للارامل واستحداث الية تمكن الارملة من الحصول على راتب الاعانة بطريقة يسيرة وفي وقت قصير وكذلك اعفاء الارملة الراغبة في الدراسة من شرط العمر ”
فيما اكدت السيدة ابتسام الهلالي (رئيس لجنة المرأة في مجلس النواب العراقي)”هناك عدة خطط للنهوض بواقع الارملة ونحاول ان نخلق منها أمرأة فعالة في المجتمع ”
واضافت الهلالي “التشريعات غير كافية بل بالعكس لاتوجد تشريعات تخص المرأة واذا كانت هناك فتجديها متناثرة هنا وهناك فقط راتب ضعيف للارمل ة”
وختمت بالقول” هناك استراتيجية وطنية للنهوض بواقع المراة خلال هذه السنوات وتمكينها ماديا لتعتمد عل ى نفسها” .
نأمل ان يعاد النظر بوضع الارامل والاستفادة من تجارب الدول للنهوض بواقعهن و التخفيف من معاناتهن فلا نهضة لاي بلد طالما هناك فئات مغبون حقها
هذا العمل برعاية منظمة MICT