الأشباح الإلكترونية.. خداع وابتزاز
لا يكاد يمرّ شهر في العراق إلا ويعلن عن إلقاء القبض على عشرات المبتزين والضالعين بالجرائم الالكترونية، وكانت آخر مساعي الجهات المختصة بغية الحد من هذه الظاهرة التي استفحلت كثيراً مع تزايد استخدام المنصات الاجتماعية، هي إلقاء القبض على سبعة وعشرين متهماً في عموم العراق.
فمنذ دخول ثورة تكنولوجيا المعلومات إلى العراق، سرعان ما لجأ الكثير إلى استخدامها بالشكل السلبي، لينتشر الابتزاز الإلكتروني بشكل واسع ويتطور ويتكيّف مع مرور الوقت، لتخرج من عباءته عصابات منظمة تمتهن هذه الجرائم.
لا يكاد يمرّ شهر في العراق إلا ويعلن عن إلقاء القبض على عشرات المبتزين والضالعين بالجرائم الالكترونية، وكانت آخر مساعي الجهات المختصة بغية الحد من هذه الظاهرة التي استفحلت كثيراً مع تزايد استخدام المنصات الاجتماعية، هي إلقاء القبض على سبعة وعشرين متهماً في عموم العراق.
فمنذ دخول ثورة تكنولوجيا المعلومات إلى العراق، سرعان ما لجأ الكثير إلى استخدامها بالشكل السلبي، لينتشر الابتزاز الإلكتروني بشكل واسع ويتطور ويتكيّف مع مرور الوقت، لتخرج من عباءته عصابات منظمة تمتهن هذه الجرائم.
غياب القوانين
نشطاء وباحثون اجتماعيون يعزون سبب استفحال هذه الظاهرة إلى غياب قانونٍ محدد يجرّم الابتزاز الالكتروني، الأمر الذي دفع القضاء إلى تكييف جرائم الابتزاز مع ما هو متاح في قانون العقوبات العراقي النافذ.
العميد غالب العطية مدير الشرطة المجتمعية بوزارة الداخلية، أوضح لـ “الصباح”، أن “من أهم أسباب انتشار جرائم الابتزاز الإلكتروني وتفشيها برغم كل الإجراءات المتخذة، هو عدم وجود قانون خاص بجريمة الابتزاز الالكتروني، ما يهدد التماسك المجتمعي لدى الأسر العراقية”.
وأضاف “ما يجري حالياً هو قيام القضاء بتكييف الفعل الإجرامي للشخص بأنه ابتزاز الكتروني، لكون قانون العقوبات العراقي 111 لسنة 1969المعدل، يعاقب على جريمة الابتزاز بشكل عام لكن لا يوجد ذكر للابتزاز الالكتروني تحديداً”.
وبحسب وزارة الداخلية فإن عمليات الابتزاز كانت سبباً رئيساً في ارتكاب عدة جرائم للقتل وغسل العار بداعي الشرف، فضلاً عن ارتفاع حالات الانتحار، إذ يقوم المبتز بمساومة ضحاياه خاصة من الفتيات بمبالغ مالية ضخمة مقابل الامتناع عن نشر صور أو مقاطع فيديو أو معلومات وبيانات خاصة.
برامج توعية
الباحث في الجرائم الالكترونية حيدر عبد الصاحب يقول لـ “الصباح”: “هنالك طرق كثيرة لعملية كشف المبتّز أو المتلاعب ببيانات وصور الأشخاص، لا سيما من الفتيات المغرّر بهن”، وأضاف “هذه الطرق يمكن أن توصل إلى هذا الشخص بسهولة عبر برامج معينة عن طريق وسائل أو شركات الاتصالات عبر تتبع (IP) التي توصل إلى عنوانه بيسر”.
من جهتهم يرى باحثون اجتماعيون أن تفاقم جرائم الابتزاز الالكتروني يستدعي وضع برامج مكثّفة على مستوى العراق، للتوعية بمخاطر هذه الجرائم والإسراع بوضع قوانين واضحة وخاصة بهذا النوع من الجرائم.
قائمة الضحايا تتوسع
وأوضح الحقوقي حيدر العوادي لـ “الصباح”، أن “مفهوم الابتزاز برغم كونه يطول الفتيات بالدرجة الأساس، لكنه بات يتعداهن إلى شرائح أخرى تعرضت لهذا النوع من الاستهداف، وإن كانوا بدرجةٍ أقل كالرجال والأطفال”، مضيفاً “سبق وشهدنا حالات ابتزاز تعرّض لها العاملون في المجال السياسي وبعض المرشحين للانتخابات البرلمانية، إذ تمت منتجة ودوبلاج مقاطع مرئية بعضها مزيّف أو مشوّه لتسقيطهم سياسياً ومجتمعياً أو ابتزازهم مادياً، مع تباين نوع الابتزاز، كما تؤكده التقارير الرسمية الصادرة من الجهات المختصة”.
ضعف الثقافة التحصينيَّة
التقينا (مروة) إحدى ضحايا هذا الابتزاز بعدما أوقعها شاب بحبائله تحت ذريعة الحب والغرام ووعود معسولة بالزواج، وطلبت (مروة) منا إخفاء هويتها لأسباب اجتماعية، إذ قالت “كنت أحب هذا الشخص الذي وعدني بالزواج مستقبلاً، وكنت أنفذ كل ما يطلبه مني لثقتي العمياء به، لكنه ظل يماطل ويتهرب من تنفيذ وعده بالزواج مني، وبدأ بعدها يهددني بصوري الشخصية وتسجيلاتي الصوتية التي بحوزته”، وتضيف “طلب مني مبلغاً مقابل مسح تلك الصور وعدم وصولها لأهلي تجنباً للفضيحة، فوافقت مرغمة على إعطائه خمسمئة ألف دينار، لكن بعد مرور شهر واحد فقط عاد لتهديدي بالصور نفسها وهذا يعني أنه لم يقم بمسحها”.
باحثون وناشطون في مجال محاربة الابتزاز الالكتروني، أكدوا لـ (الصباح)، أن الأرقام في تصاعد مخيف نظراً لضعف الوعي والثقافة التحصينية وحالة اللامبالاة من قبل الضحايا، فهدف الابتزاز الالكتروني هو الحصول على مكاسب مادية أو معلومات وبيانات سرية عن طريق التهديد أو من خلال الاختراق.
وقد تمكنت مفارز الأمن الوطني والشرطة المجتمعية من استدراج بعض الجناة وإلقاء القبض على الكثير من المتورطين في جرائم الابتزاز الذين وصل عددهم إلى المئات.
الاختراق والابتزاز
المبرمج التقني عمر علاء يقول: إن “جريمة الابتزاز الالكتروني هي عملية تهديد وترهيب شخص بنشر فيديوهات أو صور مقابل دفع أموال أو استغلال الضحية لعمل شيء معين لصالح الشخص المبتز”.
وأضاف “ببساطة يقوم الجاني بالحصول على صور أو فيديوهات أو معلومات تخص الضحية، عن طريق الفيسبوك أو الانستغرام أو تويتر أو أي من برامج التواصل المنتشرة”، لافتاً إلى أنه “غالباً ما يتم تصوير حفلات أو جلسات خاصة مثل الأعراس ويتم حفظها او إرسالها بين الكروبات او الصديقات، لكن البعض يتم استدراجهم عن طريق الحب وعلاقة الثقة أو يتم بطريقة الاختراق، لكون هذه البرامج عرضة للاختراق بسهولة، وخصوصاً مع وجود برامج الهاكرز”.
ويضيف علاء “يوجد أشخاص مختصون باختراق الصفحات سواء الفيسبوك أو الانستغرام او التليغرام او حتى الدخول عن طريق هذه البرامج والتطبيقات لاختراق جدران الحماية وسحب الصور عن طريق الهاتف النقال نفسه أو عن طريق الكمبيوتر المحمول (اللابتوب) ومن ثم يقومون بابتزاز الضحايا لقاء دفع مبلغ معين من المال او القيام بعمل غير قانوني أو غير أخلاقي أو الضغط عليهم بأي وسيلة لأداء أي عمل مقابل عدم نشر هذه الصور والمقاطع”.
دور القانون العراقي
الحقوقي حازم رسول فخري يقول: إن “قانون العقوبات العراقي ليس فيه نص خاص بهذه المسألة، لأن دخول الانترنت للعراق كان حديثاً نسبياً”، ويستدرك “لكن محكمة التمييز تصدت للموضوع وجرت العادة على معاقبة المبتز وفقاً للمادة 452 والتي تفيد بـ (يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات او الحبس كل من عمل بطريقة تهدد على تسليم نقود أو أشياء أخرى غير ما ذكر في المادة السابقة)، وهنا فقد كيّف خبراء القانون والقضاء العراقي هذه المواد لمعالجة هذه العملية”.
ولفت فخري إلى أن “المشرّع العراقي جعل التهديد حصراً وسيلة لنشاط الجاني، إذا التهديد حصيلة لنشاط الجاني، يعني بمجرد الحصول على الصور فهذه مادة أخرى ما تعتبر ابتزازاً، لكون التهديد مقابل النشر”.
طريقة التعامل
وحول الطريقة السليمة للتعامل مع المبتزين فقد أوضح “أهم طريقة هي التوجه إلى أقرب مركز شرطة أو مكتب مكافحة إجرام أو الأمن الوطني أو الاستخبارات لتبليغهم بالموضوع للقيام باتخاذ الإجراءات القانونية وفقاً للأصول”.
وشدد الحقوقي حازم رسول فخري على عدم التواصل مع الشخص المبتز حتى عند التعرض للضغوطات الشديدة، وكذلك عدم تحويل أي مبالغ مالية للشخص المبتز، فضلاً عن تجنب المشادات والسجالات الكلامية مع الجاني وعدم تهديده بالشرطة، بل ضرورة القيام فوراً بالإبلاغ عنه وعن نشاطه الإجرامي لدى مراكز الشرطة أو الجهات المختصة.
تنامي الابتزاز في كردستان
في إقليم كردستان العراق ازدادت عمليات الابتزاز الالكتروني هي الأخرى في السنوات الأخيرة، بينما تشكل أرقام الشكاوى المسجلة في دوائر الشرطة قياساً بنسبة سكان الإقليم خطراً على طبيعة المنظومة المجتمعية العشائرية السائدة في كردستان، ناهيك عن الأعداد التي تتعامل مع الواقعة بصمت خشية من الفضائح.
وتشير الإحصائيات الواردة من مديريات شرطة الإقليم، إلى أن الأرقام في تزايد عاماً إثر عام، وبهذا الصدد يقول المقدم كارزان أمير، مدير العلاقات والإعلام في مديرية شرطة الإقليم، إن “أرقام الدعاوى الرسمية المسجلة لدى مديريات ومراكز الشرطة وسائر الأجهزة الأمنية في تصاعدٍ مستمر، فمثلاً سجلت لدينا خلال العام 2020 نتيجة سوء استخدام الأجهزة والهواتف الالكترونية أكثر من 1646 قضية”.
اللجوء لمنظمات المجتمع المدني
يفضل العديد ممن يتعرضون للابتزاز التوجه إلى المنظمات المدنية المعنية بهذا الأمر بدلاً من الجهات الحكومية المتمثلة بدوائر الشرطة والأسايش خاصة النساء، فهن الأكثر عرضة للابتزاز حسب المعلومات الواردة من داخل إقليم كردستان.
هوشيار مالو الناشط المدني يقول “يكفي أن تتكلم المرأة كلمتين مع أي رجل حتى يتم التقاط صور للمحادثة كي يتولى تهديدها، فالمرأة في مجتمعنا يعاب عليها حتى أبسط الكلام ليتم ابتزازها وتهديدها”.
وبالطبع هناك حالات ابتزاز للرجال ايضاً، وبهذا الصدد يقول مالو “من خلال متابعتنا لهذا الموضوع تبين أن أغلب حالات الابتزاز بالنسبة للرجال في كردستان هي من خارج الإقليم، وخاصة من جانب فتيات يلعبن على مشاعر الضحية ويتم استدراجه للوقوع في مواقف محرجة من خلال صور ومقاطع صوت وفيديو ومحادثات، ومن ثم التهديد بالنشر أو الرضوخ التام للمطالب”.
الكاتب:نافع الناجي
تصوير: خضير العتابي