تقارير ومطولات
تحقيقات غير دقيقة في مراكز الشرطة: قتل النساء في كردستان الجناة يفلتون من العقاب
ليلى احمد
“حينما انزلت الصبية جرا التي لم تتجاوز ربيعها السادس عشر من السقف وفك الحبل حول عنقها كان جسدها لايزال دافئا وكأنها نائمة، ما دفع أمها الى طلب النجدة كانت تعتقد انها حية ويمكن ان تستيقظ بعد اسعافها، لكن الصبية التي لم يمض على زواجها سوى 11 شهرا اغمضت عينها الى الأبد.
“أخبرنا اهل زوجها انها تعاني من مشكلات نفسية فعرضناها على طبيب مختص لكنه قال انها لا تعاني من شيئ وعادت الى بيت زوجها، ولم تتحدث لنا في بداية زواجها عن مشكلاتها مع زوجها وكل ما نعرفه انه منعها من التواصل معنا ومع صديقاتها حتى ماتت بتلك الطريقة الغامضة” تقول شرمين عبد الله والدة الضحية.
وتضيف “تعرضت ابنتي لجميع أنواع العنف على يد زوجها فضلا عن الإهانات والكلام القبيح والجوع بسبب بخله والحياة البائسة التي عاشتها داخل بيتها الطيني ثم ماتت بطريقة غامضة، لقد حاولوا اقناعنا انها ماتت منتحرة لكنني لا اصدق ذلك”.
عانت جرا من مشكلات كثيرة بعد الزواج بحسب ما قالته والدتها لـ”المنصة” ولكنها رفضت الانفصال رغم موافقة والدها على ذلك، لقد كانت تخشى المجتمع وكلام الناس فتحملت، ولكنها لم تدرك ان القدر خبأ لها نهاية مختلفة، ورغم ان أهلها لديهم شكوك في انها قتلت لكن لا احد يملك دليلا واحدا حول ذلك فأغلقت القضية.
افلات من العقاب
سيران محمد تتحدث لـ”المنصة” عن ابنتها بيان (22 عاما) وتقول “لو كنت اعلم انها لن تعود الينا في ذلك الصباح الذي خرجت فيه لكنت أغلقت عليها جميع الأبواب ولما كنت أدعها تخرج”.
“تسبب عدد من الفتيان على مواقع التواصل الاجتماعي بمشكلات لبيان لكنها لم تخبرنا وهددوها بالقتل ثم اتصلوا بنا ظهر ذلك اليوم وقالوا انهم قتلوها وألقوا بجثتها في مكان محدد، كنا نعتقد ان هناك خطأ ما وأنها فتاة أخرى لكن حين رأينا جثتها أيقنا بالمصيبة”.
منذ اليوم الذي قتلت فيه بيان تخلت العائلة عن كل شيء إذ غادر اشقائها وشقيقاتها المدرسة وجلسوا في المنزل، وتركوا العمل في الأماكن التي كانوا يعملون فيها ليبتعدوا عن الكلام الجارح وتوجهوا نحو مدن أخرى بحثا عن فرص جديدة لكسب لقمة العيش وتصف الوالدة حال منزلها بعد رحيل ابنتها بالقول “خيّم الظلام الدامس على منزلنا بالكامل ولن يضيء مجددا مهما اشعلنا فيه من مصابيح”.
لجأت العائلة المنكوبة الى القانون لانتزاع حق الضحية من الجلاد لكن الحصول على الانصاف صعب لمن لا يملك السلطة “نحن فقراء ولا سلطة لنا والقانون ليس سيدا في بلادنا ، وكان قتلة ابنتي عدة أشخاص تم الحكم على احدهم بحسب المادة 405 من قانون العقوبات واطلق سراح الباقين”.
تتعلق المادة 405 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 بـ”الشروع في القتل العمد” وتصل عقوبتها في اقصى الحالات الى السجن لمدة 15 عاما.
يقول آري رفيق معاون المدير العام لمكافحة العنف ضد الأسرة والنساء في كوردستان لـ”المنصة” حول الاحصائيات “سجلنا منذ عام 2012 حتى عام 2020 اكثر من 45 حالة قتل بين النساء سنويا، لكن العدد انخفض في عام 2021 مقارنة بالأعوام السابقة”.
ويروي هريم رستم (27 عاما) لـ”المنصة” قصة قتل شقيقته شونم التي اتهم والدها وشقيقها بإنهاء حياتها بطلقة انطلقت من بندقية صيد كانت تملكها العائلة ويقول “كنا منشغلين بعملنا اليومي في رعاية الحيوانات، تناولنا العشاء ونامت والدتي فيما خرجنا انا واشقائي ووالدي وجلسنا امام المنزل ثم دخل والدي بعد ساعة لينام وسمعنا صوت البندقية فركضنا جميعا لنجد شونم غارقة في دمائها”.
ويضيف “في البداية ظننا أن قنينة الغاز في المطبخ انفجرت فنادينا على الجيران ونقلنا شقيقتي بسرعة إلى مستشفى باونور القريب من منزلنا لكن وبمجرد وصولنا فارقت الحياة”.
أطلق سراح والد شونم الفتاة التي لم تتجاوز ربيعها الخامس عشر واحد اشقائها بكفالة ورغم قرار تشكيل لجنة تحقيقية وصدور تقرير الطب العدلي إلا أن القضية أغلقت لاحقا بعد تقييدها ضد مجهول.
تحقيقات شكلية
وتقول المحامية وهيبة زرار ان ” المشكلة تكمن في التنفيذ وليس في القانون لأن تحقيقات المحاكم في القضايا ليست محايدة مما تسبب في اختلال القانون فإذا تم تنفيذ القوانين الخاصة بالقتل كما هي فستنخفض حالات قتل النساء”.
وتضيف “غالبا ما يأتي قتلة النساء بشهود يشهدون لصالحهم خاصة اذا كان القاتل من الاسرة ويتم تغيير سيناريوهات الجريمة مرات عدة وتنتهي القضية بالافراج عن المتهمين، فلا احد يدافع عن النساء المقتولات”.
وتابعت وهبية: “لابد ان تجري مراكز الشرطة والأجهزة التحقيقية تحقيقا دقيقا وعميقا في القضايا الخاصة بقتل النساء حتى ينال الجناة عقابهم” وتقول ان بعض القضايا ينتزع فيها الاعتراف مثلما حدث في احدى المرات حينما اعترف رجل بقتل زوجته بعد اختفائها ثم ظهر لاحقا انها على قيد الحياة”.
وتتفق الناشطة هانا شوان حسن مع ما قالته المحامية وهيبة وتقول إن: “القانون ليس فيه تقصير، المهم كيفية التنفيذ، فلم يجر تحقيق دقيق في قضايا القتل، والتحقيقات لا تفرق بين حالات الحرق والانتحار وحالات القتل خصوصا وأن بعض المحامين يساعدون الجناة على الإفلات من العقاب.
تقول شرمين عبد الله والدة جرا “في ذلك اليوم أتصلنا بابنتي كثيرا ولكنها لم ترد فأسرعت إلى بيتها وشاهدت رجال الأمن والشرطة والناس مجتمعين حول بيتها، سمعت صياحهم وبكاؤهم ولكنني لم اصدق لان جسدها كان دافئا ولم ادرك انها ميتة حتى بدأت أطرافها تبرد”.
“لا أدري إن كان زوجها وعائلته ضربوها او هددوها ليدفعوها الى قتل نفسها او علقوها بأنفسهم بالحبل وقتلوها عمدا، لكننا لا نملك أي دليل يساعدنا على اتهامهم لكن الله سيأخذ حقها من قاتلها يوما” تضيف بألم.
م/منصة العراق الاعلامية