حينما تولت كويستان اكرم السيدة الكردية المعروفة في مدينتها حلبجة (400 كلم) شمال بغداد منصب مديرة بلدية المدينة قبل خمس سنوات توقعت الاوساط النسوية الناشطة هناك ان نساءا اخريات سيشغلن مناصب اخرى في هذه المدينة الصغيرة التي تملك حكاية خاصة مع النساء.
عملت كويستان كموظفة في بلدية حلبجة عام 1993، ثم أصبحت مسؤولة قاعة وبعد ذلك رئيسة قسم، وزاولت مهامها كنائب لرئيس البلدية في حلبجة لمدة (15) عاما، وهي الآن رئيسة لبلدية حلبجة منذ قرابة خمس سنوات.
كويستان بدأت مع باقي اعضاء الحكومة المحلية خطة عمل واسعة لانعاش المدينة الصغيرة التي انهكتها الحروب وكانت الاكثر تضررا من القصف بالاسلحة الكيمياوية في اذار عام 1988 قبل خمسة اشهرفقط من ايقاف اطلاق النار بين العراق وايران بعد حرب استمرت ثماني سنوات.
تقول كويستان “لا يمكن للنساء مواجهة المشكلات بسهولة إذا لم يكن لديهن الكفاءة من الناحية الإدارية فلا بد أن تتمتع المرأة بخبرة جيدة كي لا تتعرض للمشكلات، ويجب ان تتحلى بروح التحدي والمرونة كي تنجح”.
تحاول المديرة المتحمسة اثناء حديثها لنا مساعدة السكان وتقديم صورة جيدة عن قيادة المرأة ومثلها تفعل قائم مقام حلبجة نوخشة ناصح التي تذكر السكان بالسيدة عادلة خانم اول امرأة شغلت منصب قائم مقام حلبجة بين عامي 1909- 1915.
كانت عادلة شخصية فريدة من نوعها تدير عشيرة الجاف الكردية، وكانت تحب الاعمار والتعليم فأنشأت اسواقا ومدارس ومتنزهات حولت حلبجة من قضاء صغير مهمل الى مدينة عامرة فأطلق عليها الانجليز آنذاك لقب “ملكة شهرزور غير المتوجه” واقام لها الاهالي نصبا في مدينتهم.
تشعر نوخشة بالفخر لكونها المرأة الثانية التي تتواى المنصب ليس في حلبجة فحسب بل في جميع مدن العراق فلم تتولى اية امرأة المنصب المذكور في العراق او اقليم كردستان سوى عادلة خاتون ونوخشة ناصح.
أهالي حلبجة الذين اعتادوا على حكم النساء وتوليهن لمناصب قيادية يأملون ان تسهم كويستان وباقي زميلاتها اللواتي حصلن على مناصب قيادية فيها في نقلهم الى مستوى افضل لا سيما بعدما تحولت مدينتهم الصغيرة الى محافظة رابعة في اقليم كردستان العراق الذي يضم في الاساس ثلاث محافظات هي اربيل ودهوك والسليمانية.
كويستان ونوخشة وباقي النساء القياديات في حلبجة يحاولن من خلال المراكز التي يشغلنها تطوير مدينتهن التي تلقب بـ”عاصمة السلام” وتسعى تلك النسوة الى جعلها متميزة في مجال البيئة والصحة.
تقول كويستان “في الشرق الأوسط الذي يمتلك مجتمعا ذكوريا قلما يتم الاعتراف بإمكانات ومواهب المرأة، ويعد إقليم كوردستان جزءا من هذه المنطقة، لا سيما اذا كان الأمر يتعلق بالعمل في منصب خدمي مثل بلدية مدينة مثل حلبجة التي مرت بكل تلك المحن والمعاناة ولم تصلها بعد يد الإعمار بالشكل المطلوب”.
اما نوخشة التي تخرجت من كلية القانون وشغلت منصب مديرة ناحية بيارة لمدة سبع سنوات قبل ان تستلم منصة قائمقاام مدينة حلبجة فتقول ان “منصب القائممقام من قبل النساء في حلبجة ليس أمرا غريبا فقد دعم أهالي المدينة المثقفون النساء دوما وهناك أمثلة بارزة حول ذلك”.
قائم مقام حلبجة تحمل التسلسل (55) بين من تولوا المنصب وهي ثاني امرأة تشغل المكان، لكن هناك نساء شغلوا مناصب قيادية لاول مرة في تاريخ المدينة ومنهم مهاباد كامل رئيسة جامعة حلبجة وسوزان حمه شريف اول قاضية تحقيق في المدينة كولستان احمد رئيسة مديرية حقوق الانسان في المدينة ونساء اخريات.
حلبجة التي تحكمها النساء وتشغل عشر نساء فيها مناصب قيادية هي من اكثر المدن العشائرية المحافظة في الاقليم، كما نشط فيها تنظيم داعش بشكل كبير إذ تشتهر بوجود عائلات متدينة حد التعصب.
هذا التناقض في المدينة الصغيرة التي لا تفصلها عن الحدود الايرانية سوى نصف ساعة يبدو غريبا جدا لباقي سكان اقليم كردستان الذين لم تتمكن اي مدينة اخرى فيه من تسليم النساء مناصب عليا بهذا الحجم بما فيها عاصمة الاقليم “اربيل”.
اما أهالي حلبجة فلا يهمهم جنس من يحكمهم بقدر ما يهمهم ماذا سيقدم لمدينتهم التي مازالت ذاكرتها تحمل صورا مرعبة عن احداث الماضي التي وثقها متحف حلبجة حول آثار القصف الكيمياوي وقصص الضحايا.