لا شك ان لكل بلد هوية خاصة به، او ربما تشترك معه بعض الدول ، ولكن تبقى الخصائص الاجتماعية لكل بلد تتفاوت منه لأخر ، وهذه الهوية للفرد (المواطن ) ولمصطلح الوطن، حتى يؤطر حدوده ويثبت قيمة الهوية التي تجمع الثقافة الخاصة به ، والعادات، والتقاليد ، وتعدد الألوان الفكرية والعقائدية والقومية، ويعبر عن تلك المكونات بمصطلح الأقليات؛ لأنهم يمثلون أعداداً أقل من الأكثرية لشعب معين، في بلد ما .
وعلى مر العصور تضاربت مصالحهم الشخصية، مع مصالح الإفراد الاستبداديين المعادين للحرية، ولأصحاب الايدولوجيات الذين تفرضهم مساحة تعدد الألوان الثقافية، وعلى هذا الأساس، عملوا على طمس الهوية الثقافية في العراق وإعدامها، وعند استعراضنا، بإيجاز، للأحداث والأرقام، سنصل إلى نتائج ذاك المخطط الظالم .
قبل الإطاحة بالنظام السابق المتمثل بحكم حزب البعث، سنستعرض مجوعة معلومات، منها: تناقص أعداد المسيحيين من ما يقارب 1,5 مليون إلى 250 ألفاً؛ نتيجة تعرضهم للقتل والتهديد والتشريد، ولنأخذ مثالا لمكون أخر في العراق هم (الصابئة)، إذ يعتقد أن الصابئة من ضمن الديانات القديمة، ويعيش جمع منهم في العراق، ويمثلون لوناً بارزاً في ممارسة معتقداتهم وطقوسهم على ضفاف نهري دجلة والفرات ، ولكن الصدمة أن يتوقع المراقبون أنّه بعد عشرة سنوات قد ينتهي وجود الصابئة بوصفهم مكوناً متعايشاً ضمن أفراد المجتمع العراقي، وربما تبكي الهوية العراقية دماً بعد تلاشي مكون بعد مكون؛ نتيجة الوضع الراهن .. العراق كان يحتل الأول بتواجد المكون الأيزيدي بين أفراد مجتمعه، حيث تشير الدراسات الإحصائية إلى أن أعداد الأيزيدين في العالم 1,5 مليون، يعيش منهم ما يقارب 550 الفاً أيزيدي في العراق، ولكن منذ اجتياح تنظيم داعش لسنجار في العام 2014، هاجر ما يقارب 100 ألف أيزيدي من العراق إلى أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا وكندا ، ومتيزال نحو 360 ألفاً يعيشون في مخيمات النازحين بشمال غرب العراق، ولم يتمكن سوى بضعة آلاف فقط من العودة إلى سنجار، حيث لا تزال معظم المنازل أنقاضاً، والكهرباء والمياه النظيفة والمستشفيات شحيحة. وتعرض الغجريون في العراق أيضاً، إلى هجمات مسلحة عدّة، وإلى وقتل وتشريد في الديوانية والكمالية والبصرة . كل هذه الإحداث تقودنا إلى نتيجة واحدة ، ألا وهي إن العراق يتمتع بإرث حضاري وهوية ثقافية مميزة ، ويعد أهم مظاهر التحضر، بحسب معايير الأمم، تعدد الألوان الثقافية والحرية والفكرية والدينية ، وبالتأكيد لا يروق لدول وأجندات ان يتعافى العراق ويكون بمصاف الدول ال متمتعة بتاريخ حضاري، وتعايش سلمي لتطبيق أسس المواطنة، وهذه المحاولات لإعدام الهوية التعددية العراقية مستمرة، ويبقى الرهان على وعي الشارع العراقي، وموقفه تجاه تلك الأحداث والمحاولات العدائية المتخلفة .